قِرَاءَةٌ فِي جَريمَة تزوير المُحَرّرَات على ضوء الاجتهاد القضائي من إعداد نجيمي جمال المستشار بالمحكمة العليا يناير 2009
صفحة 1 من اصل 1
قِرَاءَةٌ فِي جَريمَة تزوير المُحَرّرَات على ضوء الاجتهاد القضائي من إعداد نجيمي جمال المستشار بالمحكمة العليا يناير 2009
قِرَاءَةٌ فِي جَريمَة تزوير المُحَرّرَات
على ضوء الاجتهاد القضائي
من إعداد
نجيمي جمال
المستشار بالمحكمة العليا
يناير 2009
-----------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في جريمة تزوير المحررات
على ضوء الاجتهاد القضائي
نص قانون العقوبات على جرائم التزوير في الفصل السابع من الباب الأول منه المتعلق بالجنايات و الجنح ضد الشيء العمومي.
و هذا الفصل المتعلق بالتزوير ( المواد 197 إلى 253 مكرر ) يتضمن 8 أقسام هي :
القسم 1 : النقود المزورة ( م 197 - 204 ) .
القسم 2 : تقليد أختام الدولة و الدمغات و الطوابع و العلامات ( م 205 - 213).
القسم 3 : تزوير المحررات العمومية أو الرسمية ( م 214 إلى 218 ).
القسم 4 : التزوير في المحررات العرفية أو التجارية أو المصرفية ( م 219 - 221 ) .
القسم 5 : التزوير في بعض الوثائق الإدارية و الشهادات ( م 222 - 229 ).
القسم 6 : أحكام مشتركة ( م 230 - 231 ) .
القسم 7 : شهادة الزور و اليمين الكاذبة ( م 232 - 241 ) .
القسم 8 : إنتحال الوظائف و الألقاب أو الأسماء أو إساءة استعمالها ( م 242 - 253 مكرر) .
و بالتالي فإن تزوير المحررات يضمّ الجانب الأكبر إذ خصص له المشرع 18 مادة موزعة على أربعة أقسام.
و في الجانب العملي فإن أغلب جرائم التزوير التي تعرض على المحاكم هي جرائم تزوير المحررات .
تعريف جريمة التزوير
المشرع الجزائري لم يأت بتعريف لجريمة التزوير سالكا بذلك نهج قانون العقوبات الفرنسي القديم و بعض القوانين العربية مثل القانون المصري و القانون السعودي.
و من خلال دراسات شراح القانون و من الاجتهاد القضائي المقارن فإنه يمكن تعريف جريمة تزوير المحررات بأنها تغيير الحقيقة في محرر، و ذلك عن قصد و بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا، و يترتب عن ذلك ضرر حال أو محتمل للغير.
و هناك من الفقهاء من عرف جريمة التزوير بأنها : تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغييرا من شأنه إحداث ضرر، و مقترن بنية استعمال المحرر المزور فيما أعدّ له.
و قد أورد الأستاذ جندي عبد الملك تعريفين لفقهاء القانون الجنائي في فرنسا، التعريف الأول مفاده أن التزوير في المحررات هو تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر بإحدى الطرق التي بينها القانون، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا.
و التعريف الثاني مضمونه أن التزوير يتكون من تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر، تغييرا واقعا على شيء مما أعِدّ هذا المحرر لإثباته و من شأنه أن يسبب ضررا.
في حين أن قانون العقوبات الفرنسي الحالي ( الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من 01-03-1994 بموجب القانون رقم 92-1336 المؤرخ في 16-12-1992) ينص في المادة 441-1 منه على تعريف جريمة التزوير على النحو التالي :
Art. 441-1 « Constitue un faux toute altération frauduleuse de la vérité, de nature à causerun préjudice et accomplie par quelque moyen que ce soit, dans un écrit ou tout autresupport d'expression de la pensée qui a pour objet ou qui peut avoir pour effet d'établir lapreuve d'un droit ou d'un fait ayant des conséquences juridiques. »
« يشكل تزويرا كل تغيير احتيالي للحقيقة، من شأنه إحداث ضرر، و ينجز بأية وسيلة كانت، و ينصب على محرر أو على أية دعامة للتعبير عن الأفكار يكون موضوعها أو يكون من آثارها إقامة الدليل على حق أو على واقعة ذات نتائج قانونية. »
و هذا التعريف ينطبق عموما على جريمة التزوير وفقا للقانون الجزائري إلا في نقطة واحدة و هي حدوث التزوير على الدعائم الحديثة لتلقي البيانات التي لا يشملها القانون الجزائري.
و هو نفس المنهج الذي سلكه المشرع السوري إذ نصت المادة 443 من قانون العقوبات السوري على الآتي:
« التزوير هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو مخطوط يُحتجّ بهما يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي.»
و الحكمة التي يرمي إليها المشرع من خلال تجريم التزوير ليست التصدي للكذب و تغيير الحقيقة كفكرة مجردة لأن ذلك دور الدين و الأخلاق، و لكن قصده حماية أدلة الإثبات التي يُعدّها و ينشئها الناس بمناسبة معاملاتهم تحسبا لاستعمالها عند الحاجة أمام المصالح العامة و خصوصا أمام القضاء، و ما يؤكد ذلك أن باب التزوير في قانون العقوبات يشمل حماية أختام الدولة و الدمغات و العلامات و يُجرم شهادة الزور و اليمين الكاذبة و هي كلها وسائل إثبات، و من خلال إدراك هذه الغاية التي يهدف إليها المشرع يسهل فهم أحكام تزوير المحررات في قانون العقوبات .
أركان جريمة تزوير المحررات
فتكون بذلك أركان جريمة التزوير كالتالي :
الركن المادي :
و هو تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا، و هذا الركن يتكون من ثلاثة عناصر هي :
العنصر الأول : تغيير الحقيقة Altération de la vérité.
قد يكون التغيير ماديا ( faux matériel)، بالتقليد ( contrefaçon ) و هو المحاكاة و المشابهة، أو بتزييف ( altération ) الإمضاءات أو البصمة أو الكتابة بما في ذلك الزيادة أو الحذف ، و إما بانتحال شخصية الغير أو الحلول محلها، فالتغيير المادي تدركه الحواس و تثبته الخبرة.
و قد يكون التغيير معنويا ( faux intellectuel ) ، عن طريق اصطناع (fabrication ) اتفاقات أو التزامات أو مخالصات صورية ، أو إدراجها لاحقا في محررات معدة لتلقي تلك البيانات، فالتزوير في هذه الحالة يوجد في المعنى و المضمون ، و من ذلك اصطناع أحكام قضائية أو وثائق مما تصدره الإدارات العمومية ، و هي مزورة من حيث البيانات و الإمضاء .
و أما التصريحات الفردية الواردة في المذكرات و العرائض مثلا فمهما كانت درجة صدقها لا تعتبر تزويرا لأنها تصريحات معروضة للمناقشة و ليست أدلة إثبات.
و يكون التزوير بإحدى الطرق المحددة على سبيل الحصر في نص المادة 216 من قانون العقوبات ( سواء تعلق الأمر بالتزوير الواقع في المحررات الرسمية أو في المحررات العرفية ) و هي :
1. إما بتقليد أو بتزييف الكتابة أو التوقيع.
2. و إما باصطناع اتفاقات أو نصوص أو التزامات أو مخالصات، أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد.
3. و إما بإضافة أو بإسقاط أو بتزييف الشروط أو الإقرارات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو لإثباتها.
4. و إما بانتحال شخصية الغير أو الحلول محلها.
فإن لم يكن هناك تغيير للحقيقة فلا تزوير، و من أمثلة ذلك الإدلاء أمام موظف بتصريحات يعتقد المصرح أنها كاذبة و لكن ظهر فيما بعد أنها مطابقة للحقيقة، و كذلك تقليد إمضاء شخص على محرر و لكن بموافقته و إذنه.
و تعتبر الطريقة الثانية و هي اصطناع الاتفاقات هي أسلوب التغيير المعنوي، بينما تشكل باقي الطرق تغييرا ماديا. و الصورية في العقود تكون باتفاق المتعاقدين و تهدف إلى إيهام الغير بوجود عقود غير موجودة في أرض الواقع أو إخفاء الطبيعة الحقيقية للعقد و إظهار طبيعة غير حقيقية، و ذلك بشرط الغش و قصد إلحاق الضرر بالغير.
و لكن في كل هذه الحالات يجب أن ينصب التزوير على البيانات الجوهرية التي يتضمنها المحرر، و أما البيانات غير الجوهرية التي لا تأثير لها فيما أعد المحرر من أجله فإن تغييرها أو تحريفها أو إضافتها أو إزالتها لا يعد من قبيل التزوير المعاقب عليه لأنه لا ينتج أي ضرر عن ذلك، و المثال على ذلك القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 03-12-2008 في القضية رقم 446986 (غير منشور) الذي قضى بنقض و إبطال القرار الذي أدان المتهم بجنحة التزوير لأنه أضاف كلمة « بتحفظ » عند إمضائه لوثيقة التوقيف التي سلمت له من طرف الشركة، و قد قضت المحكمة العليا بذلك لأن القرار المطعون فيه لم يبرز ما هي الآثار القانونية الناجمة عن كتابة هذه العبارة في وثيقة التسريح المسلمة للمتهم و لم يوضح أين يكمن تغيير الحقيقة أو مخالفة الواقع التي ذكرها القرار في حيثياته من أجل إلغاء حكم الدرجة الأولى القاضي بالبراءة.
العنصر الثاني : المحرر.
نصوص القانون لم تورد تعريفا للمحرر باعتبار أن المشرع عادة يتحاشى التعريفات و يترك ذلك للفقهاء و القضاة.
و قد عرفه بعض الفقهاء بأنه عبارات خطية مدونة بلغة يمكن أن يفهمها الناس ( د. رمسيس بنهام)، أو أنه كل مسطور مكتوب يتضمن حروفا أو علامات ينتقل بقراءتها الفكر إلى معنى معين ( د. أحمد فتحي سرور)، أو أنه كل كتابة مقروءة تعبر عن معنى معين، سواء كانت مركبة من حروف أو أرقام أو علامات أو رموز ...( د. رمضان عمر السعيد)
و النصوص القانونية تشترط أن ينصب التزوير على محرر مكتوب فهو محل الجريمة و هو الهدف المراد حمايته قانونيا، و أضاف الفقه أن يصلح المحرر أن يتخذ دليلا أو يكون مهيأ لاستعماله للإثبات (valant titre)، سواء كان هذا المحرر موجودا سلفا و ينصب عليه التزوير، أو تم اصطناعه كليا مع تضمينه البيانات المزورة، و حتى و لو كان هذا المحرر باطلا لأسباب شكلية أو موضوعية مثل أن يذكر موثق أو موظف عام زورًا أن شخصا معينا قد حضر أمامه فيكون التزوير قائما حتى و لو كان ذلك المحرر باطلا لعدم وجود إمضاء ذلك الشخص .
و أما الاجتهاد القضائي ( المقارن) فاعتبر أن توافر عنصري تغيير الحقيقة و نية الإضرار كافيين لقيام الجرم.
و إذا كان ظاهر النصوص يشير إلى الكتابة فإن ذلك يشمل الكتابة بأية لغة متعارف عليها، و بأية وسيلة معروفة، حتى و لو كانت الكتابة المختزلة (ستينوغرافيا) أو الكتابة المشفرة.
و اختفاء الورقة المزورة لا يمنع من قيام الجرم إذا كان وجودها ثابتا.
و بما أن تفسير قانون العقوبات هو تفسير ضيق فلا يمكن متابعة فعل التزوير إذا انصب على الدعائم الحديثة المعدة لتسجيل البيانات و يقصد بها أساسا الأقراص المرنة و الأقراص المضغوطة المستعملة على نطاق واسع إلى جانب البريد الإلكتروني (إيميل E-mail) و مختلف أساليب التعامل عبر شبكة الإنترنت التي أصبحت تتضمن مواقع للتسوق و تقديم مختلف الخدمات، و ذلك ما حدا بالمشرع الفرنسي في قانون العقوبات الحديث إلى النص على هذه الدعائم الجديدة إلى جانب المحررات التقليدية فأصبحت كلها قابلة لحدوث التزوير على البيانات التي تتضمنها و أصبح قانون العقوبات يبسط عليها حمايته .
و لم يحدد المشرع الوسيلة التي يمكن استعمالها لتغيير البيانات المسجلة في المحرر كالتغيير بالقلم أو الآلة الراقنة أو استعمال مواد سائلة أو صلبة أو غيرها ، و بالتالي فكل وسيلة تؤدي إلى إحداث التغيير في المحرر تكفي لقيام الجرم، خصوصا و قد تعددت الوسائل العلمية الحديثة لمعالجة الكتابة و النسخ .
العنصر الثالث : الضرر Préjudice .
يجب أن تكون الوثيقة المزورة من شأنها أن تحدث للغير ضررا ماديا أو معنويا ، حالا أو محتملا ، فيكفي مجرد احتمال حدوث الضرر .
و قد ينتج الضرر عن تزوير المحرر بحد ذاته كما هو الحال بالنسبة لتزوير المحررات العمومية و الرسمية لأن الضرر حينئذ يتمثل في النيل من المصداقية المفترضة لترك الوثيقة و الثقة المرتبطة بها، و قد يكون الضرر خارجيا بالنسبة للوثيقة كما هو الشأن بالنسبة لتزوير باقي المحررات ، و عندئذ يجب إثباته، فإن لم يثبت فلا تزوير مثل حالة إعادة كتابة وثيقة عرفية دون تغيير محتواها .
و في قرار للمحكمة العليا منشور في موقعها على الإنترنت ، صادر بتاريخ 21-12-1999 في القضية رقم 227350 جاءت فيه الحيثية التالية المؤكدة لوجوب توافر عنصر الضرر :
« حيث أنه وكما استقر عليه الاجتهاد القضائي للغرفة الجنائية للمحكمة العليا فإنه لا يوجد تزوير معاقب عليه إلا إذا سببت الوثيقة المقـلدة أو المزيفة ضررا حالا أو محتملا للغيـر.
حيث أن غرفة الاتهام لم تثبت هـذا الضرر و لم تعـين الطرف أو الأطراف المتضررة من جراء تصرفات المتهمين.»
و يميز قانون العقوبات بين ثلاث فئات من المحررات :
الفئة الأولى تشمل المحررات العمومية و الرسمية:
و المحررات العمومية هي المحررات الصادرة عن إدارة عمومية بما لها من سلطة عامة، فهي تشمل المحررات الصادرة من أعلى سلطة في الدولة إلى أدناها، فمنها مثلا سجلات مصالح الضرائب، و المراسلات الصادرة عن الولايات و البلديات، و الأحكام القضائية، ...
و أما المحررات الرسمية فهي المحررات الصادرة عن الضباط العموميين (Officiers publics) كالموثقين و المحضرين القضائيين و محافظي البيع بالمزاد العلني ...
و ليس من الضروري أن ينصب التزوير على محرر عمومي أو رسمي حقيقي بل يكفي أن يكون محررا مصطنعا في شكل محرر عمومي أو رسمي و يُنسَب زورا إلى موظف أو ضابط عمومي.
كما أن حماية المشرع لهذه المحررات يشمل أيضا المحررات العمومية و الرسمية الأجنبية، فالذي يزور في الجزائر حكما قضائيا أجنبيا يتابع على أساس تزوير محرر عمومي، و كذلك الشأن بالنسبة لجوازات السفر و كافة المحررات العمومية و الرسمية.
و جريمة التزوير في المحررات العمومية أو الرسمية قد ترتكب من طرف الموظفين العموميين أو من طرف الأفراد، و قد فرق المشرع بين الفئتين بأن شدد العقاب على الطائفة الأولى فعاقب بالسجن المؤبد كل قاض أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية ارتكب تزويرا في هذه المحررات سواء كان تزويرا ماديا ( المادة 214 من قانون العقوبات ) أو معنويا ( المادة 215 منه )، و يلاحظ أن النص باللغة العربية ذكر مصطلح " قائم بوظيفة عمومية " و يقابلها في النص باللغة الفرنسية مصطلح " ضابط عمومي officier public " و هو أدق ، كما أن النص ذكر : كل قاض أو موظف بينما اقتصر نص المادة 145 من قانون العقوبات الفرنسي القديم ، و هو الأصل التاريخي للمادة 214 من قانون العقوبات ، على مصطلح " موظف " فقط و هو يشمل القاضي ، كما أنه يشمل كافة أنواع الموظفين بما فيهم المؤقتين أو المتعاقدين على أساس أن الاجتهاد القضائي أعطى تفسيرا موسعا لهذا المصطلح، و لكن مع التأكيد على أن يقوم الفاعل بالتزوير أثناء تأدية مهامه كما هو محدد في النص، و ذلك عنصر من عناصر الركن المادي و ليس ظرف تشديد.
و الفئة الثانية تشمل المحررات العرفية و التجارية و المصرفية :
و هي باقي المحررات الصادرة عن الأشخاص الطبيعية أو المعنوية غير ذات الطابع الإداري و هم الأفراد العاديون و التجار و الشركات التجارية سواء التابعة للقطاع العام أو القطاع الخاص، و البنوك بمختلف أنواعها أيضا، و تكون ممضاة من طرف محرريها أو مختومة من قبلهم .
و تجدر الملاحظة أن المحرر العرفي الصادر عن شخص ما و المتضمن ذكر معلومات تخصّه هو بنفسه و هي ما يعرف بالإقرارات الفردية كالتصاريح الشرفية لا تعتبر تزويرا حتى و لو كانت غير صحيحة لأنها تقدم و تطرح للمناقشة و التمحيص و ليست دليل إثبات بحد ذاتها، لأنه لا يجوز للمرء أن يصطنع دليلا بنفسه لنفسه.
و الفئة الثالثة تشمل بعض الوثائق الإدارية و الشهادات :
و هي مجموعة من المحررات العمومية الصادرة عن الإدارة العامة و لكن المشرع استثناها من القاعدة العامة لهذا النوع من المحررات كما هو منصوص عليه في المادة 214 من قانون العقوبات ، و ذلك على اعتبار أن الخطر الناجم عن تزويرها أقلّ سواء بالنسبة للنظام العام أو بالنسبة للأفراد، و حددهــا بتلك « الوثائق التي تصدرها الإدارات العمومية بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو منح إذن » و قد ذكر النص بعضا منها على سبيل المثال و ليس على سبيل الحصر فذكر :
1. الرّخص Permisمثل رخصة القيادة أو رخصة الصيد.
2. الشهادات Certificatsكشهادة العمل، أو شهادة حسن السيرة، أو شهادة الكفاءة المهنية، أو شهادة مدرسية ...
3. الكتابات ( و يقصد الكتيّـبَات أو الدفاتر) Livretsمثل الدفاتر العائلية أو المدرسية أو العسكرية ...
4. البطاقات Cartes: كبطاقة التعريف الوطنية أو المهنية أو البطاقة الرمادية للسيارة ...
5. النشرات Bulletins: و هي إشعارات تصدر عن المصالح العمومية للإخبار عن حالة معينة أو نشاط معين كالنشرات الجوية أو الاقتصادية أو الصحية ...
6. الإيصالات Récépissésالتي تثبت استلام مبالغ معينة أو وثائق محددة ...
7. جوازات السفر Passeports، و هي تلك المحررات التي تحدد هوية المواطن و تسمح له بالسفر خارج الوطن.
8. أوامر الخدمة Ordres de missions، و هي الأوامر الإدارية الموجهة من الرئيس إلى المرؤوس للقيام بمهمة محددة خارج أماكن العمل.
9. وثائق السفر ( و يقصد تذاكر أو إجازات المرور ) Feuilles de routeو هي محررات تتضمن الإذن لحاملها بالتنقل و المرور أو تتضمن بيانات حول وجهة السفر و البضاعة المحمولة ...
10. تصاريح المرور Laissez-passerو هي تصاريح تأذن بتنقل الأشخاص أو البضائع.
و من باب الملاحظة فإن قانون العقوبات الفرنسي الحالي قد حذف سرد الوثائق المذكورة على سبيل المثال في نص المادة 153 من قانون العقوبات القديم التي تقابل نص المادة 222 من قانون العقوبات الجزائري، و احتفظ بذكر القاعدة العامة و هي : الوثائق التي تصدرها الإدارات العمومية بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو منح إذن .
كما تشمل الفئة الثالثة التزوير في المحررات التالية :
1. سجلات مؤجري الغرف المفروشة، و أصحاب النُّـزُل ( المادة 224 منه ).
2. الشهادات الطبية بغرض المحاباة ( المادة 226 منه ).
3. شهادات حسن السلوك أو الفقر ( المادة 227 منه ).
الركن المعنوي : القصد الجنائي
و يقصد به أن يقوم الفاعل بالتزوير عمدا أي عن علم و إرادة بما يفعل مع توافر سوء النية ، و يستدل على سوء النية من خلال اتجاه إرادة المزور إلى الإضرار بالغير أو الحصول على منفعة غير مشروعة أو الإفلات من واجب قانوني، و على هذا الأساس ينتفي التزوير إذا كانت نية المزور حسنة بحيث أنه يقصد تقديم خدمة مشروعة للغير ( كالفضالة في القانون المدني ) أو أن يتحمل هو الضرر بدلا من الغير مثل ذلك الأخ الذي تقدم باسم أخيه أمام المحضر القضائي الذي كان بصدد تنفيذ حكم جزائي و قبـِل أن يُحبس بدل أخيه ( مثال من القضاء المصري أورده الأستاذ جندي عبد الملك في مؤلفه الموسوعة الجنائية).
و من أمثلة غياب هذا العنصر أيضا رغم الوجود المادي للتزوير حالة تقليد إمضاء شخص بموافقته.
و التأكد من توافر سوء النية لدى الفاعل مسألة وقائع و يستخلصها قاضي الموضوع من خلال أوراق الملف و المناقشات في جلسة المحاكمة دون تعقيب عليه في ذلك من طرف المحكمة العليا ما دام قد أشار إلى توافرها.
استعمال المحررات المزورة
Usage de faux
يفرق المشرع بين التزوير و استعمال المزوَّر و يعتبرهما جرمين مستقلين عن بعضهما، و بالتالي يمكن أن يتابع شخص من أجل التزوير و يتابع شخص آخر من أجل استعمال المزور، و يمكن أن يتابع شخص واحد من أجل التزوير و استعمال المزور في آن واحد، كما يمكن أن تكون المتابعة من أجل الاستعمال فقط و لا تحرك الدعوى العمومية من أجل التزوير بسبب سقوطها بالتقادم أو لوفاة الجاني أو لبقاء الفاعل مجهولا ...
و لم يحدد المشرع ما المقصود من الاستعمال، و بالتالي فكل استعمال للمحرر المزور فيما أعِدّ من أجله ، مع علم الفاعل بأنه مزور ، يشكل جرم الاستعمال عملا بأحكام المواد 218 من قانون العقوبات ( المحررات الرسمية ) و 221 منه ( المحررات العرفية ) و 222 منه ( الوثائق الإدارية و الشهادات ).
و تبقى الإشارة إلى احتمال أخير و هو فعل الاحتفاظ بمحرر مزور دون استعماله و دون أن يكون المحتفظ هو من قام بالتزوير، فنصوص قانون العقوبات لم تشر إلى هذا الفعل مما يؤدي إلى القول حتما بأنه فعل غير مجرّم، غير أن المشرع الفرنسي قد تدارك هذا النقص الذي كان موجودا في قانون العقوبات الفرنسي القديم ( و هو الأصل التاريخي لقانون العقوبات الجزائري ) و نص على تجريم الاحتفاظ بوثائق مزورة في المادة 441-3 منه.
التقادم Prescription
لقد استقر الاجتهاد القضائي المقارن حاليا على أن جريمتي التزوير و استعمال المزور هما جريمتان وقتيتان بحيث يبدأ حساب مدة التقادم انطلاقا من يوم ارتكاب الفعل، فإذا تعلق الأمر بالتزوير فمن يوم ارتكابه، و إن تعلق الأمر باستعمال المزور فمن يوم استعماله أو من آخر يوم استعمال إذا كان الاستعمال متواصلا مثل تقديم وثيقة مزورة في دعوى قضائية فإن الاستعمال يبقى قائما إلى غاية الفصل النهائي في الدعوى، كما أنه إذا تجدد الاستعمال فإن الجرم يتجدد و يتعين حساب التقادم في كل مرة.
يؤكد ذلك العديد من أحكام محكمة النقض الفرنسية منها القرارات التالية :
القضية 90- 80.267 بتاريخ 27-05-1991، الذي جاء في حيثيات قرارها:
Attendu que le point de départ de la prescription est, en matière d'escroquerie, le jour de la remise des fondsfrauduleusement obtenus et, en matière d'usage de faux, le jour de l'utilisation délictueuse dudit faux ;
و القضية 92- 81.728 بتاريخ 03-05-1993، الذي جاء في حيثيات قرارها:
Attendu qu'en déclarant par les motifs repris au moyen, l'action publique prescrite, la chambre d'accusation, loin d'encourirles griefs qui lui sont faits, a fait l'exacte application des articles 7 et 8 du Code de procédure pénale ;
Que, d'une part, les délits de faux et usage de faux sont des infractions instantanées ;…
و القضية 98- 81.301 بتاريخ 30-03-1999.
و القضية 98- 88.101 بتاريخ 19-01-2000، الذي جاء في حيثيات قرارها :
Attendu que le délai de prescription court, à l'égard du délit d'usage de faux, infraction instantanée, à partir de la date dechacun des actes par lesquels le prévenu se prévaut de la pièce fausse ;
و القضية 03- 85.674 بتاريخ 25-05-2004 .
و أما المحكمة العليا فقد سبق أن كانت تأخذ بالرأي الآخر و مفاده أن التقادم بالنسبة لجرم التزوير لا يسري من يوم ارتكاب الفعل و لكن من يوم اكتشافه، و هو ما ورد بصريح العبارة في القرار رقم 61453 الصادر بتاريخ 05/06/1990 (منشور في المجلة القضائية)، و كذلك ما جاء في القرار الصادر بتاريخ 21/11/1995 في القضية رقم 128644 ( نشرة القضاة العدد 52).
و لكنها قضت مؤخرا وفقا للرأي الراجح القائل بأن التزوير و استعمال المزور جرائم وقتية تخضع لأحكام التقادم وفقا للقواعد العامة، و يبدأ حساب التقادم ابتداءً من اليوم الموالي لارتكاب فعل التزوير أو اليوم الموالي لآخر يوم تمّ فيه استعمال المحرر المزور ، و من ذلك :
الطعن رقم 414189 بتاريخ 08-10-2008 ( قرار غير منشور ) :
الذي جاء فيه :
في الموضوع :
عن الفرع الثاني من الوجه الأول المأخوذ من مخالفة قاعدة جوهرية في الإجراءات، و ذلك بالأولوية :
حيث أن من المقرر قانونا أن الدعوى العمومية الرامية إلى تطبيق العقوبة تنقضي بالتقادم المقدر بثلاث سنوات في مواد الجنح، و تسري المدة انطلاقا من يوم اقتراف الجريمة ، عملا بأحكام المادة 6 و ما بعدها من قانون الإجراءات الجزائية .
و حيث ثبت من أوراق الملف أن عقد الإيجار المطعون فيه بأنه مزور أو ناجم عن الإدلاء بتصريحات كاذبة ، قد تم تحريره من طرف البلدية بتاريخ 30-07-1994، و أن الضحية تقدمت بشكايتها بتاريخ في 25-125-1998، أي بعد أكثر من أربع سنوات ، و بالتالي فإن الدعوى العمومية تكون منقضية بالتقادم عملا بأحكام المادة 8 من قانون الإجراءات الجزائية .
و حيث يترتب على ذلك أن هذا الوجه مؤسس و هو يؤدي إلى نقض القرار المطعون فيه، و دون إحالة.
و حَيث أنّ المَصَاريف القضَائية يتحَمّلُها الطاعِنُ عملا بأحكام المادة 524 مِن قانون الإجراءات الجزائية .
فلِهـَذِه الأسبَــــاب
تَقضِي المَحكمَة العـُليا :
في الشكْل : التصريحُ بقبولِ الطعن شكلا.
فِي المَوضُوع : نقضُ و إبْطالُ القرَارِ المَطعون فيه الصّادر عن مَجْلِس قضَاءِ قسنطينة بتاريخ 13-04-2005 ، و بدون إحالة.
و إبقاء المَصَاريفِ القَضَائيّة عَلَى عَاتِق الخزينَةِ العَامّة .
الطعن رقم 447493 بتاريخ 03-12-2008 ( قرار غير منشور ):
الذي جاء فيه :
عن الوجه الأول المأخوذ من مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه (المادة 500 ف 7 من قانون الإجراءات الجزائية ) :
حيث أنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي و إلى القرار المطعون فيه يتضح أن الطاعن قد أثار الدفع بتقادم الدعوى العمومية أمام المحكمة و أمام المجلس.
و حيث أن القرار المطعون فيه لم يجب بما فيه الكفاية و الوضوح على هذا الدفع و اكتفى باستبعاده « لانعدام السند الذي يثبت العلم بهذه الوثيقة المزورة و بتاريخ محدد »، و في هذا عدم تمييز بين الجرائم المستمرة و غير المستمرة، كما أن العلم ليس شرطا لحساب مدة التقادم خصوصا و أن تاريخ صدور القرار الولائي المشتبه في كونه مزور محدد و هو 23-08-1997 بينما المتابعة الجزائية انطلقت في 29-04-2003، و بالتالي يمكن حساب مدة التقادم بالنسبة لجنحة الحصول على وثيقة إدارية بإقرار كاذب طبقا لنص المادة 223 من قانون العقوبات التي أدين بها الطاعن من طرف المجلس.
و حيث أن من المقرر أن الأسباب التي لا تكفي للإجابة عن الدفوع المقدمة تسِمُ القرار بالقصور في التسبيب مما يؤدي إلى نقضه.
و حَيث أنّ المَصَاريف القضَائية تتحملها الخزينة العمومية عملا بأحكام المادة 524 مِن قانون الإجراءات الجزائية .
فلِهـَذِه الأسبَــــاب
تَقضِي المَحكمَة العـُليا :
في الشكْل : التصريحُ بقبولِ الطعن.
فِي المَوضُوع : نقضُ و إبْطالُ القرَارِ المَطعون فيه ، و إحَالة القضيّة و الأطرَافِ أمامَ الجهةِ القضائيةِ نفسِها مُشكلة ًمِن هيئة أخرَى للفصْل فِيها من جديد طِبقا للقانون .
و إبقاء المَصَاريفِ القَضَائيّة عَلَى عَاتِق الخزينَةِ العَامّة .
الطعن رقم 487131 بتاريخ 03-12-2008 ( قرار غير منشور ) :
الذي جاء فيه :
في الموضوع :
عن الوجه الأول و هو مأخوذ من مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه (المادة 500 ف 7 من قانون الإجراءات الجزائية ) :
حيث أن من المقرر قانونا أن الدعوى العمومية في مادة الجنح تتقادم بمرور ثلاث سنوات كاملة ابتداء من يوم اقتراف الجريمة حسب نص المادتين 7 و 8 من قانون الإجراءات الجزائية.
و حيث أن المتهم الطاعن قد دفع أمام المحكمة و أمام المجلس بتقادم الدعوى العمومية على أساس أن الورقة المشتبه في كونها مزورة صادرة بتاريخ 21-02-2000 بينما الطلب الافتتاحي لإجراء التحقيق صادر بتاريخ 12-12-2005 (أي ما يزيد عن خمس سنوات) غير أن المحكمة أجابت عنه بالرفض بحجة « أن مدة التقادم لا تسري إلا من يوم اكتشاف الجرم و علم السلطات المخولة بمتابعته »، و قد جدد المتهم تمسكه بهذا الدفع أمام المجلس، كما هو مسجل في الصفحة 2 منه، و لكن القرار لم يناقشه و لم يجب عنه.
و حيث أن هذا التفسير الذي ذهب إليه قضاة الموضوع فيما يتعلق ببداية حساب مدة التقادم مخالف للقانون لأن المادة 7 من قانون الإجراءات الجزائية صريحة في تحديد بداية الحساب بيوم اقتراف الجرم.
و حيث أن هذا الخطأ في تطبيق القانون يؤدي إلى النقض دون حاجة إلى مناقشة باقي الأوجه.
و حَيث أنّ المَصَاريف القضَائية تتحملها الخزينة العامة عملا بأحكام المادة 524 مِن قانون الإجراءات الجزائية .
فلِهـَذِه الأسبَــــاب
تَقضِي المَحكمَة العـُليا :
في الشكْل : التصريحُ بقبولِ الطعن.
فِي المَوضُوع : نقضُ و إبْطالُ القرَارِ المَطعون فيه ، و إحَالة القضيّة و الأطرَافِ أمامَ الجهةِ القضائيةِ نفسِها مُشكلة ًمِن هيئة أخرَى للفصْل فِيها من جَدِيدٍ طِبقا للقانون .
و إبقاء المَصَاريفِ القَضَائيّة عَلَى عَاتِق الخزينَةِ العَامّة .
على ضوء الاجتهاد القضائي
من إعداد
نجيمي جمال
المستشار بالمحكمة العليا
يناير 2009
-----------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في جريمة تزوير المحررات
على ضوء الاجتهاد القضائي
نص قانون العقوبات على جرائم التزوير في الفصل السابع من الباب الأول منه المتعلق بالجنايات و الجنح ضد الشيء العمومي.
و هذا الفصل المتعلق بالتزوير ( المواد 197 إلى 253 مكرر ) يتضمن 8 أقسام هي :
القسم 1 : النقود المزورة ( م 197 - 204 ) .
القسم 2 : تقليد أختام الدولة و الدمغات و الطوابع و العلامات ( م 205 - 213).
القسم 3 : تزوير المحررات العمومية أو الرسمية ( م 214 إلى 218 ).
القسم 4 : التزوير في المحررات العرفية أو التجارية أو المصرفية ( م 219 - 221 ) .
القسم 5 : التزوير في بعض الوثائق الإدارية و الشهادات ( م 222 - 229 ).
القسم 6 : أحكام مشتركة ( م 230 - 231 ) .
القسم 7 : شهادة الزور و اليمين الكاذبة ( م 232 - 241 ) .
القسم 8 : إنتحال الوظائف و الألقاب أو الأسماء أو إساءة استعمالها ( م 242 - 253 مكرر) .
و بالتالي فإن تزوير المحررات يضمّ الجانب الأكبر إذ خصص له المشرع 18 مادة موزعة على أربعة أقسام.
و في الجانب العملي فإن أغلب جرائم التزوير التي تعرض على المحاكم هي جرائم تزوير المحررات .
تعريف جريمة التزوير
المشرع الجزائري لم يأت بتعريف لجريمة التزوير سالكا بذلك نهج قانون العقوبات الفرنسي القديم و بعض القوانين العربية مثل القانون المصري و القانون السعودي.
و من خلال دراسات شراح القانون و من الاجتهاد القضائي المقارن فإنه يمكن تعريف جريمة تزوير المحررات بأنها تغيير الحقيقة في محرر، و ذلك عن قصد و بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا، و يترتب عن ذلك ضرر حال أو محتمل للغير.
و هناك من الفقهاء من عرف جريمة التزوير بأنها : تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغييرا من شأنه إحداث ضرر، و مقترن بنية استعمال المحرر المزور فيما أعدّ له.
و قد أورد الأستاذ جندي عبد الملك تعريفين لفقهاء القانون الجنائي في فرنسا، التعريف الأول مفاده أن التزوير في المحررات هو تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر بإحدى الطرق التي بينها القانون، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا.
و التعريف الثاني مضمونه أن التزوير يتكون من تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر، تغييرا واقعا على شيء مما أعِدّ هذا المحرر لإثباته و من شأنه أن يسبب ضررا.
في حين أن قانون العقوبات الفرنسي الحالي ( الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من 01-03-1994 بموجب القانون رقم 92-1336 المؤرخ في 16-12-1992) ينص في المادة 441-1 منه على تعريف جريمة التزوير على النحو التالي :
Art. 441-1 « Constitue un faux toute altération frauduleuse de la vérité, de nature à causerun préjudice et accomplie par quelque moyen que ce soit, dans un écrit ou tout autresupport d'expression de la pensée qui a pour objet ou qui peut avoir pour effet d'établir lapreuve d'un droit ou d'un fait ayant des conséquences juridiques. »
« يشكل تزويرا كل تغيير احتيالي للحقيقة، من شأنه إحداث ضرر، و ينجز بأية وسيلة كانت، و ينصب على محرر أو على أية دعامة للتعبير عن الأفكار يكون موضوعها أو يكون من آثارها إقامة الدليل على حق أو على واقعة ذات نتائج قانونية. »
و هذا التعريف ينطبق عموما على جريمة التزوير وفقا للقانون الجزائري إلا في نقطة واحدة و هي حدوث التزوير على الدعائم الحديثة لتلقي البيانات التي لا يشملها القانون الجزائري.
و هو نفس المنهج الذي سلكه المشرع السوري إذ نصت المادة 443 من قانون العقوبات السوري على الآتي:
« التزوير هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو مخطوط يُحتجّ بهما يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي.»
و الحكمة التي يرمي إليها المشرع من خلال تجريم التزوير ليست التصدي للكذب و تغيير الحقيقة كفكرة مجردة لأن ذلك دور الدين و الأخلاق، و لكن قصده حماية أدلة الإثبات التي يُعدّها و ينشئها الناس بمناسبة معاملاتهم تحسبا لاستعمالها عند الحاجة أمام المصالح العامة و خصوصا أمام القضاء، و ما يؤكد ذلك أن باب التزوير في قانون العقوبات يشمل حماية أختام الدولة و الدمغات و العلامات و يُجرم شهادة الزور و اليمين الكاذبة و هي كلها وسائل إثبات، و من خلال إدراك هذه الغاية التي يهدف إليها المشرع يسهل فهم أحكام تزوير المحررات في قانون العقوبات .
أركان جريمة تزوير المحررات
فتكون بذلك أركان جريمة التزوير كالتالي :
الركن المادي :
و هو تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا، و هذا الركن يتكون من ثلاثة عناصر هي :
العنصر الأول : تغيير الحقيقة Altération de la vérité.
قد يكون التغيير ماديا ( faux matériel)، بالتقليد ( contrefaçon ) و هو المحاكاة و المشابهة، أو بتزييف ( altération ) الإمضاءات أو البصمة أو الكتابة بما في ذلك الزيادة أو الحذف ، و إما بانتحال شخصية الغير أو الحلول محلها، فالتغيير المادي تدركه الحواس و تثبته الخبرة.
و قد يكون التغيير معنويا ( faux intellectuel ) ، عن طريق اصطناع (fabrication ) اتفاقات أو التزامات أو مخالصات صورية ، أو إدراجها لاحقا في محررات معدة لتلقي تلك البيانات، فالتزوير في هذه الحالة يوجد في المعنى و المضمون ، و من ذلك اصطناع أحكام قضائية أو وثائق مما تصدره الإدارات العمومية ، و هي مزورة من حيث البيانات و الإمضاء .
و أما التصريحات الفردية الواردة في المذكرات و العرائض مثلا فمهما كانت درجة صدقها لا تعتبر تزويرا لأنها تصريحات معروضة للمناقشة و ليست أدلة إثبات.
و يكون التزوير بإحدى الطرق المحددة على سبيل الحصر في نص المادة 216 من قانون العقوبات ( سواء تعلق الأمر بالتزوير الواقع في المحررات الرسمية أو في المحررات العرفية ) و هي :
1. إما بتقليد أو بتزييف الكتابة أو التوقيع.
2. و إما باصطناع اتفاقات أو نصوص أو التزامات أو مخالصات، أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد.
3. و إما بإضافة أو بإسقاط أو بتزييف الشروط أو الإقرارات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو لإثباتها.
4. و إما بانتحال شخصية الغير أو الحلول محلها.
فإن لم يكن هناك تغيير للحقيقة فلا تزوير، و من أمثلة ذلك الإدلاء أمام موظف بتصريحات يعتقد المصرح أنها كاذبة و لكن ظهر فيما بعد أنها مطابقة للحقيقة، و كذلك تقليد إمضاء شخص على محرر و لكن بموافقته و إذنه.
و تعتبر الطريقة الثانية و هي اصطناع الاتفاقات هي أسلوب التغيير المعنوي، بينما تشكل باقي الطرق تغييرا ماديا. و الصورية في العقود تكون باتفاق المتعاقدين و تهدف إلى إيهام الغير بوجود عقود غير موجودة في أرض الواقع أو إخفاء الطبيعة الحقيقية للعقد و إظهار طبيعة غير حقيقية، و ذلك بشرط الغش و قصد إلحاق الضرر بالغير.
و لكن في كل هذه الحالات يجب أن ينصب التزوير على البيانات الجوهرية التي يتضمنها المحرر، و أما البيانات غير الجوهرية التي لا تأثير لها فيما أعد المحرر من أجله فإن تغييرها أو تحريفها أو إضافتها أو إزالتها لا يعد من قبيل التزوير المعاقب عليه لأنه لا ينتج أي ضرر عن ذلك، و المثال على ذلك القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 03-12-2008 في القضية رقم 446986 (غير منشور) الذي قضى بنقض و إبطال القرار الذي أدان المتهم بجنحة التزوير لأنه أضاف كلمة « بتحفظ » عند إمضائه لوثيقة التوقيف التي سلمت له من طرف الشركة، و قد قضت المحكمة العليا بذلك لأن القرار المطعون فيه لم يبرز ما هي الآثار القانونية الناجمة عن كتابة هذه العبارة في وثيقة التسريح المسلمة للمتهم و لم يوضح أين يكمن تغيير الحقيقة أو مخالفة الواقع التي ذكرها القرار في حيثياته من أجل إلغاء حكم الدرجة الأولى القاضي بالبراءة.
العنصر الثاني : المحرر.
نصوص القانون لم تورد تعريفا للمحرر باعتبار أن المشرع عادة يتحاشى التعريفات و يترك ذلك للفقهاء و القضاة.
و قد عرفه بعض الفقهاء بأنه عبارات خطية مدونة بلغة يمكن أن يفهمها الناس ( د. رمسيس بنهام)، أو أنه كل مسطور مكتوب يتضمن حروفا أو علامات ينتقل بقراءتها الفكر إلى معنى معين ( د. أحمد فتحي سرور)، أو أنه كل كتابة مقروءة تعبر عن معنى معين، سواء كانت مركبة من حروف أو أرقام أو علامات أو رموز ...( د. رمضان عمر السعيد)
و النصوص القانونية تشترط أن ينصب التزوير على محرر مكتوب فهو محل الجريمة و هو الهدف المراد حمايته قانونيا، و أضاف الفقه أن يصلح المحرر أن يتخذ دليلا أو يكون مهيأ لاستعماله للإثبات (valant titre)، سواء كان هذا المحرر موجودا سلفا و ينصب عليه التزوير، أو تم اصطناعه كليا مع تضمينه البيانات المزورة، و حتى و لو كان هذا المحرر باطلا لأسباب شكلية أو موضوعية مثل أن يذكر موثق أو موظف عام زورًا أن شخصا معينا قد حضر أمامه فيكون التزوير قائما حتى و لو كان ذلك المحرر باطلا لعدم وجود إمضاء ذلك الشخص .
و أما الاجتهاد القضائي ( المقارن) فاعتبر أن توافر عنصري تغيير الحقيقة و نية الإضرار كافيين لقيام الجرم.
و إذا كان ظاهر النصوص يشير إلى الكتابة فإن ذلك يشمل الكتابة بأية لغة متعارف عليها، و بأية وسيلة معروفة، حتى و لو كانت الكتابة المختزلة (ستينوغرافيا) أو الكتابة المشفرة.
و اختفاء الورقة المزورة لا يمنع من قيام الجرم إذا كان وجودها ثابتا.
و بما أن تفسير قانون العقوبات هو تفسير ضيق فلا يمكن متابعة فعل التزوير إذا انصب على الدعائم الحديثة المعدة لتسجيل البيانات و يقصد بها أساسا الأقراص المرنة و الأقراص المضغوطة المستعملة على نطاق واسع إلى جانب البريد الإلكتروني (إيميل E-mail) و مختلف أساليب التعامل عبر شبكة الإنترنت التي أصبحت تتضمن مواقع للتسوق و تقديم مختلف الخدمات، و ذلك ما حدا بالمشرع الفرنسي في قانون العقوبات الحديث إلى النص على هذه الدعائم الجديدة إلى جانب المحررات التقليدية فأصبحت كلها قابلة لحدوث التزوير على البيانات التي تتضمنها و أصبح قانون العقوبات يبسط عليها حمايته .
و لم يحدد المشرع الوسيلة التي يمكن استعمالها لتغيير البيانات المسجلة في المحرر كالتغيير بالقلم أو الآلة الراقنة أو استعمال مواد سائلة أو صلبة أو غيرها ، و بالتالي فكل وسيلة تؤدي إلى إحداث التغيير في المحرر تكفي لقيام الجرم، خصوصا و قد تعددت الوسائل العلمية الحديثة لمعالجة الكتابة و النسخ .
العنصر الثالث : الضرر Préjudice .
يجب أن تكون الوثيقة المزورة من شأنها أن تحدث للغير ضررا ماديا أو معنويا ، حالا أو محتملا ، فيكفي مجرد احتمال حدوث الضرر .
و قد ينتج الضرر عن تزوير المحرر بحد ذاته كما هو الحال بالنسبة لتزوير المحررات العمومية و الرسمية لأن الضرر حينئذ يتمثل في النيل من المصداقية المفترضة لترك الوثيقة و الثقة المرتبطة بها، و قد يكون الضرر خارجيا بالنسبة للوثيقة كما هو الشأن بالنسبة لتزوير باقي المحررات ، و عندئذ يجب إثباته، فإن لم يثبت فلا تزوير مثل حالة إعادة كتابة وثيقة عرفية دون تغيير محتواها .
و في قرار للمحكمة العليا منشور في موقعها على الإنترنت ، صادر بتاريخ 21-12-1999 في القضية رقم 227350 جاءت فيه الحيثية التالية المؤكدة لوجوب توافر عنصر الضرر :
« حيث أنه وكما استقر عليه الاجتهاد القضائي للغرفة الجنائية للمحكمة العليا فإنه لا يوجد تزوير معاقب عليه إلا إذا سببت الوثيقة المقـلدة أو المزيفة ضررا حالا أو محتملا للغيـر.
حيث أن غرفة الاتهام لم تثبت هـذا الضرر و لم تعـين الطرف أو الأطراف المتضررة من جراء تصرفات المتهمين.»
و يميز قانون العقوبات بين ثلاث فئات من المحررات :
الفئة الأولى تشمل المحررات العمومية و الرسمية:
و المحررات العمومية هي المحررات الصادرة عن إدارة عمومية بما لها من سلطة عامة، فهي تشمل المحررات الصادرة من أعلى سلطة في الدولة إلى أدناها، فمنها مثلا سجلات مصالح الضرائب، و المراسلات الصادرة عن الولايات و البلديات، و الأحكام القضائية، ...
و أما المحررات الرسمية فهي المحررات الصادرة عن الضباط العموميين (Officiers publics) كالموثقين و المحضرين القضائيين و محافظي البيع بالمزاد العلني ...
و ليس من الضروري أن ينصب التزوير على محرر عمومي أو رسمي حقيقي بل يكفي أن يكون محررا مصطنعا في شكل محرر عمومي أو رسمي و يُنسَب زورا إلى موظف أو ضابط عمومي.
كما أن حماية المشرع لهذه المحررات يشمل أيضا المحررات العمومية و الرسمية الأجنبية، فالذي يزور في الجزائر حكما قضائيا أجنبيا يتابع على أساس تزوير محرر عمومي، و كذلك الشأن بالنسبة لجوازات السفر و كافة المحررات العمومية و الرسمية.
و جريمة التزوير في المحررات العمومية أو الرسمية قد ترتكب من طرف الموظفين العموميين أو من طرف الأفراد، و قد فرق المشرع بين الفئتين بأن شدد العقاب على الطائفة الأولى فعاقب بالسجن المؤبد كل قاض أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية ارتكب تزويرا في هذه المحررات سواء كان تزويرا ماديا ( المادة 214 من قانون العقوبات ) أو معنويا ( المادة 215 منه )، و يلاحظ أن النص باللغة العربية ذكر مصطلح " قائم بوظيفة عمومية " و يقابلها في النص باللغة الفرنسية مصطلح " ضابط عمومي officier public " و هو أدق ، كما أن النص ذكر : كل قاض أو موظف بينما اقتصر نص المادة 145 من قانون العقوبات الفرنسي القديم ، و هو الأصل التاريخي للمادة 214 من قانون العقوبات ، على مصطلح " موظف " فقط و هو يشمل القاضي ، كما أنه يشمل كافة أنواع الموظفين بما فيهم المؤقتين أو المتعاقدين على أساس أن الاجتهاد القضائي أعطى تفسيرا موسعا لهذا المصطلح، و لكن مع التأكيد على أن يقوم الفاعل بالتزوير أثناء تأدية مهامه كما هو محدد في النص، و ذلك عنصر من عناصر الركن المادي و ليس ظرف تشديد.
و الفئة الثانية تشمل المحررات العرفية و التجارية و المصرفية :
و هي باقي المحررات الصادرة عن الأشخاص الطبيعية أو المعنوية غير ذات الطابع الإداري و هم الأفراد العاديون و التجار و الشركات التجارية سواء التابعة للقطاع العام أو القطاع الخاص، و البنوك بمختلف أنواعها أيضا، و تكون ممضاة من طرف محرريها أو مختومة من قبلهم .
و تجدر الملاحظة أن المحرر العرفي الصادر عن شخص ما و المتضمن ذكر معلومات تخصّه هو بنفسه و هي ما يعرف بالإقرارات الفردية كالتصاريح الشرفية لا تعتبر تزويرا حتى و لو كانت غير صحيحة لأنها تقدم و تطرح للمناقشة و التمحيص و ليست دليل إثبات بحد ذاتها، لأنه لا يجوز للمرء أن يصطنع دليلا بنفسه لنفسه.
و الفئة الثالثة تشمل بعض الوثائق الإدارية و الشهادات :
و هي مجموعة من المحررات العمومية الصادرة عن الإدارة العامة و لكن المشرع استثناها من القاعدة العامة لهذا النوع من المحررات كما هو منصوص عليه في المادة 214 من قانون العقوبات ، و ذلك على اعتبار أن الخطر الناجم عن تزويرها أقلّ سواء بالنسبة للنظام العام أو بالنسبة للأفراد، و حددهــا بتلك « الوثائق التي تصدرها الإدارات العمومية بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو منح إذن » و قد ذكر النص بعضا منها على سبيل المثال و ليس على سبيل الحصر فذكر :
1. الرّخص Permisمثل رخصة القيادة أو رخصة الصيد.
2. الشهادات Certificatsكشهادة العمل، أو شهادة حسن السيرة، أو شهادة الكفاءة المهنية، أو شهادة مدرسية ...
3. الكتابات ( و يقصد الكتيّـبَات أو الدفاتر) Livretsمثل الدفاتر العائلية أو المدرسية أو العسكرية ...
4. البطاقات Cartes: كبطاقة التعريف الوطنية أو المهنية أو البطاقة الرمادية للسيارة ...
5. النشرات Bulletins: و هي إشعارات تصدر عن المصالح العمومية للإخبار عن حالة معينة أو نشاط معين كالنشرات الجوية أو الاقتصادية أو الصحية ...
6. الإيصالات Récépissésالتي تثبت استلام مبالغ معينة أو وثائق محددة ...
7. جوازات السفر Passeports، و هي تلك المحررات التي تحدد هوية المواطن و تسمح له بالسفر خارج الوطن.
8. أوامر الخدمة Ordres de missions، و هي الأوامر الإدارية الموجهة من الرئيس إلى المرؤوس للقيام بمهمة محددة خارج أماكن العمل.
9. وثائق السفر ( و يقصد تذاكر أو إجازات المرور ) Feuilles de routeو هي محررات تتضمن الإذن لحاملها بالتنقل و المرور أو تتضمن بيانات حول وجهة السفر و البضاعة المحمولة ...
10. تصاريح المرور Laissez-passerو هي تصاريح تأذن بتنقل الأشخاص أو البضائع.
و من باب الملاحظة فإن قانون العقوبات الفرنسي الحالي قد حذف سرد الوثائق المذكورة على سبيل المثال في نص المادة 153 من قانون العقوبات القديم التي تقابل نص المادة 222 من قانون العقوبات الجزائري، و احتفظ بذكر القاعدة العامة و هي : الوثائق التي تصدرها الإدارات العمومية بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو منح إذن .
كما تشمل الفئة الثالثة التزوير في المحررات التالية :
1. سجلات مؤجري الغرف المفروشة، و أصحاب النُّـزُل ( المادة 224 منه ).
2. الشهادات الطبية بغرض المحاباة ( المادة 226 منه ).
3. شهادات حسن السلوك أو الفقر ( المادة 227 منه ).
الركن المعنوي : القصد الجنائي
و يقصد به أن يقوم الفاعل بالتزوير عمدا أي عن علم و إرادة بما يفعل مع توافر سوء النية ، و يستدل على سوء النية من خلال اتجاه إرادة المزور إلى الإضرار بالغير أو الحصول على منفعة غير مشروعة أو الإفلات من واجب قانوني، و على هذا الأساس ينتفي التزوير إذا كانت نية المزور حسنة بحيث أنه يقصد تقديم خدمة مشروعة للغير ( كالفضالة في القانون المدني ) أو أن يتحمل هو الضرر بدلا من الغير مثل ذلك الأخ الذي تقدم باسم أخيه أمام المحضر القضائي الذي كان بصدد تنفيذ حكم جزائي و قبـِل أن يُحبس بدل أخيه ( مثال من القضاء المصري أورده الأستاذ جندي عبد الملك في مؤلفه الموسوعة الجنائية).
و من أمثلة غياب هذا العنصر أيضا رغم الوجود المادي للتزوير حالة تقليد إمضاء شخص بموافقته.
و التأكد من توافر سوء النية لدى الفاعل مسألة وقائع و يستخلصها قاضي الموضوع من خلال أوراق الملف و المناقشات في جلسة المحاكمة دون تعقيب عليه في ذلك من طرف المحكمة العليا ما دام قد أشار إلى توافرها.
استعمال المحررات المزورة
Usage de faux
يفرق المشرع بين التزوير و استعمال المزوَّر و يعتبرهما جرمين مستقلين عن بعضهما، و بالتالي يمكن أن يتابع شخص من أجل التزوير و يتابع شخص آخر من أجل استعمال المزور، و يمكن أن يتابع شخص واحد من أجل التزوير و استعمال المزور في آن واحد، كما يمكن أن تكون المتابعة من أجل الاستعمال فقط و لا تحرك الدعوى العمومية من أجل التزوير بسبب سقوطها بالتقادم أو لوفاة الجاني أو لبقاء الفاعل مجهولا ...
و لم يحدد المشرع ما المقصود من الاستعمال، و بالتالي فكل استعمال للمحرر المزور فيما أعِدّ من أجله ، مع علم الفاعل بأنه مزور ، يشكل جرم الاستعمال عملا بأحكام المواد 218 من قانون العقوبات ( المحررات الرسمية ) و 221 منه ( المحررات العرفية ) و 222 منه ( الوثائق الإدارية و الشهادات ).
و تبقى الإشارة إلى احتمال أخير و هو فعل الاحتفاظ بمحرر مزور دون استعماله و دون أن يكون المحتفظ هو من قام بالتزوير، فنصوص قانون العقوبات لم تشر إلى هذا الفعل مما يؤدي إلى القول حتما بأنه فعل غير مجرّم، غير أن المشرع الفرنسي قد تدارك هذا النقص الذي كان موجودا في قانون العقوبات الفرنسي القديم ( و هو الأصل التاريخي لقانون العقوبات الجزائري ) و نص على تجريم الاحتفاظ بوثائق مزورة في المادة 441-3 منه.
التقادم Prescription
لقد استقر الاجتهاد القضائي المقارن حاليا على أن جريمتي التزوير و استعمال المزور هما جريمتان وقتيتان بحيث يبدأ حساب مدة التقادم انطلاقا من يوم ارتكاب الفعل، فإذا تعلق الأمر بالتزوير فمن يوم ارتكابه، و إن تعلق الأمر باستعمال المزور فمن يوم استعماله أو من آخر يوم استعمال إذا كان الاستعمال متواصلا مثل تقديم وثيقة مزورة في دعوى قضائية فإن الاستعمال يبقى قائما إلى غاية الفصل النهائي في الدعوى، كما أنه إذا تجدد الاستعمال فإن الجرم يتجدد و يتعين حساب التقادم في كل مرة.
يؤكد ذلك العديد من أحكام محكمة النقض الفرنسية منها القرارات التالية :
القضية 90- 80.267 بتاريخ 27-05-1991، الذي جاء في حيثيات قرارها:
Attendu que le point de départ de la prescription est, en matière d'escroquerie, le jour de la remise des fondsfrauduleusement obtenus et, en matière d'usage de faux, le jour de l'utilisation délictueuse dudit faux ;
و القضية 92- 81.728 بتاريخ 03-05-1993، الذي جاء في حيثيات قرارها:
Attendu qu'en déclarant par les motifs repris au moyen, l'action publique prescrite, la chambre d'accusation, loin d'encourirles griefs qui lui sont faits, a fait l'exacte application des articles 7 et 8 du Code de procédure pénale ;
Que, d'une part, les délits de faux et usage de faux sont des infractions instantanées ;…
و القضية 98- 81.301 بتاريخ 30-03-1999.
و القضية 98- 88.101 بتاريخ 19-01-2000، الذي جاء في حيثيات قرارها :
Attendu que le délai de prescription court, à l'égard du délit d'usage de faux, infraction instantanée, à partir de la date dechacun des actes par lesquels le prévenu se prévaut de la pièce fausse ;
و القضية 03- 85.674 بتاريخ 25-05-2004 .
و أما المحكمة العليا فقد سبق أن كانت تأخذ بالرأي الآخر و مفاده أن التقادم بالنسبة لجرم التزوير لا يسري من يوم ارتكاب الفعل و لكن من يوم اكتشافه، و هو ما ورد بصريح العبارة في القرار رقم 61453 الصادر بتاريخ 05/06/1990 (منشور في المجلة القضائية)، و كذلك ما جاء في القرار الصادر بتاريخ 21/11/1995 في القضية رقم 128644 ( نشرة القضاة العدد 52).
و لكنها قضت مؤخرا وفقا للرأي الراجح القائل بأن التزوير و استعمال المزور جرائم وقتية تخضع لأحكام التقادم وفقا للقواعد العامة، و يبدأ حساب التقادم ابتداءً من اليوم الموالي لارتكاب فعل التزوير أو اليوم الموالي لآخر يوم تمّ فيه استعمال المحرر المزور ، و من ذلك :
الطعن رقم 414189 بتاريخ 08-10-2008 ( قرار غير منشور ) :
الذي جاء فيه :
في الموضوع :
عن الفرع الثاني من الوجه الأول المأخوذ من مخالفة قاعدة جوهرية في الإجراءات، و ذلك بالأولوية :
حيث أن من المقرر قانونا أن الدعوى العمومية الرامية إلى تطبيق العقوبة تنقضي بالتقادم المقدر بثلاث سنوات في مواد الجنح، و تسري المدة انطلاقا من يوم اقتراف الجريمة ، عملا بأحكام المادة 6 و ما بعدها من قانون الإجراءات الجزائية .
و حيث ثبت من أوراق الملف أن عقد الإيجار المطعون فيه بأنه مزور أو ناجم عن الإدلاء بتصريحات كاذبة ، قد تم تحريره من طرف البلدية بتاريخ 30-07-1994، و أن الضحية تقدمت بشكايتها بتاريخ في 25-125-1998، أي بعد أكثر من أربع سنوات ، و بالتالي فإن الدعوى العمومية تكون منقضية بالتقادم عملا بأحكام المادة 8 من قانون الإجراءات الجزائية .
و حيث يترتب على ذلك أن هذا الوجه مؤسس و هو يؤدي إلى نقض القرار المطعون فيه، و دون إحالة.
و حَيث أنّ المَصَاريف القضَائية يتحَمّلُها الطاعِنُ عملا بأحكام المادة 524 مِن قانون الإجراءات الجزائية .
فلِهـَذِه الأسبَــــاب
تَقضِي المَحكمَة العـُليا :
في الشكْل : التصريحُ بقبولِ الطعن شكلا.
فِي المَوضُوع : نقضُ و إبْطالُ القرَارِ المَطعون فيه الصّادر عن مَجْلِس قضَاءِ قسنطينة بتاريخ 13-04-2005 ، و بدون إحالة.
و إبقاء المَصَاريفِ القَضَائيّة عَلَى عَاتِق الخزينَةِ العَامّة .
الطعن رقم 447493 بتاريخ 03-12-2008 ( قرار غير منشور ):
الذي جاء فيه :
عن الوجه الأول المأخوذ من مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه (المادة 500 ف 7 من قانون الإجراءات الجزائية ) :
حيث أنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي و إلى القرار المطعون فيه يتضح أن الطاعن قد أثار الدفع بتقادم الدعوى العمومية أمام المحكمة و أمام المجلس.
و حيث أن القرار المطعون فيه لم يجب بما فيه الكفاية و الوضوح على هذا الدفع و اكتفى باستبعاده « لانعدام السند الذي يثبت العلم بهذه الوثيقة المزورة و بتاريخ محدد »، و في هذا عدم تمييز بين الجرائم المستمرة و غير المستمرة، كما أن العلم ليس شرطا لحساب مدة التقادم خصوصا و أن تاريخ صدور القرار الولائي المشتبه في كونه مزور محدد و هو 23-08-1997 بينما المتابعة الجزائية انطلقت في 29-04-2003، و بالتالي يمكن حساب مدة التقادم بالنسبة لجنحة الحصول على وثيقة إدارية بإقرار كاذب طبقا لنص المادة 223 من قانون العقوبات التي أدين بها الطاعن من طرف المجلس.
و حيث أن من المقرر أن الأسباب التي لا تكفي للإجابة عن الدفوع المقدمة تسِمُ القرار بالقصور في التسبيب مما يؤدي إلى نقضه.
و حَيث أنّ المَصَاريف القضَائية تتحملها الخزينة العمومية عملا بأحكام المادة 524 مِن قانون الإجراءات الجزائية .
فلِهـَذِه الأسبَــــاب
تَقضِي المَحكمَة العـُليا :
في الشكْل : التصريحُ بقبولِ الطعن.
فِي المَوضُوع : نقضُ و إبْطالُ القرَارِ المَطعون فيه ، و إحَالة القضيّة و الأطرَافِ أمامَ الجهةِ القضائيةِ نفسِها مُشكلة ًمِن هيئة أخرَى للفصْل فِيها من جديد طِبقا للقانون .
و إبقاء المَصَاريفِ القَضَائيّة عَلَى عَاتِق الخزينَةِ العَامّة .
الطعن رقم 487131 بتاريخ 03-12-2008 ( قرار غير منشور ) :
الذي جاء فيه :
في الموضوع :
عن الوجه الأول و هو مأخوذ من مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه (المادة 500 ف 7 من قانون الإجراءات الجزائية ) :
حيث أن من المقرر قانونا أن الدعوى العمومية في مادة الجنح تتقادم بمرور ثلاث سنوات كاملة ابتداء من يوم اقتراف الجريمة حسب نص المادتين 7 و 8 من قانون الإجراءات الجزائية.
و حيث أن المتهم الطاعن قد دفع أمام المحكمة و أمام المجلس بتقادم الدعوى العمومية على أساس أن الورقة المشتبه في كونها مزورة صادرة بتاريخ 21-02-2000 بينما الطلب الافتتاحي لإجراء التحقيق صادر بتاريخ 12-12-2005 (أي ما يزيد عن خمس سنوات) غير أن المحكمة أجابت عنه بالرفض بحجة « أن مدة التقادم لا تسري إلا من يوم اكتشاف الجرم و علم السلطات المخولة بمتابعته »، و قد جدد المتهم تمسكه بهذا الدفع أمام المجلس، كما هو مسجل في الصفحة 2 منه، و لكن القرار لم يناقشه و لم يجب عنه.
و حيث أن هذا التفسير الذي ذهب إليه قضاة الموضوع فيما يتعلق ببداية حساب مدة التقادم مخالف للقانون لأن المادة 7 من قانون الإجراءات الجزائية صريحة في تحديد بداية الحساب بيوم اقتراف الجرم.
و حيث أن هذا الخطأ في تطبيق القانون يؤدي إلى النقض دون حاجة إلى مناقشة باقي الأوجه.
و حَيث أنّ المَصَاريف القضَائية تتحملها الخزينة العامة عملا بأحكام المادة 524 مِن قانون الإجراءات الجزائية .
فلِهـَذِه الأسبَــــاب
تَقضِي المَحكمَة العـُليا :
في الشكْل : التصريحُ بقبولِ الطعن.
فِي المَوضُوع : نقضُ و إبْطالُ القرَارِ المَطعون فيه ، و إحَالة القضيّة و الأطرَافِ أمامَ الجهةِ القضائيةِ نفسِها مُشكلة ًمِن هيئة أخرَى للفصْل فِيها من جَدِيدٍ طِبقا للقانون .
و إبقاء المَصَاريفِ القَضَائيّة عَلَى عَاتِق الخزينَةِ العَامّة .
مواضيع مماثلة
» تحريرُ الأحكَام و القرَارَات القضائيةمن إعداد المستشار نجيمي جمال - 2008
» الاختصاص النوعي بين القضاء العادي و القضاء الإداري_ للمستشار نجيمي جمال
» مذكرة بعنوان: التطليق بطلب من الزوجة في قانون الأسرة الجزائري، "مدعماً ذلك بالاجتهاد القضائي للمحكمة العليا".
» التحكيم في القضايا الشرعية من خلال الاجتهاد السوري
» بطلان إجراءات التحقيق القضائي
» الاختصاص النوعي بين القضاء العادي و القضاء الإداري_ للمستشار نجيمي جمال
» مذكرة بعنوان: التطليق بطلب من الزوجة في قانون الأسرة الجزائري، "مدعماً ذلك بالاجتهاد القضائي للمحكمة العليا".
» التحكيم في القضايا الشرعية من خلال الاجتهاد السوري
» بطلان إجراءات التحقيق القضائي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى