شيء عن مسؤولية المهندس
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
شيء عن مسؤولية المهندس
هل يتحمل المهندس المعماري المسؤولية القانونية عن الأضرار الناجمة عن أخطائه أو إهماله أثناء وضعه للتصاميم والرسوم المعمارية أو إشرافه على عملية التنفيذ وإشادة البناء؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستكون بالإيجاب بداهةً، إذ أن القانون يجعل كل شخصٍ ارتكب خطأً سبب ضرراً للغير بالتعويض. غير أن مسؤولية المهندس المعماري في الواقع أقسى وأشد من مسؤولية الإنسان العادي، إذ أن المعماري خبير ومهني محترف، ودرجة الحرص والعناية التي يتطلب القانون توافرها في سلوكه أكبر من تلك الواجب توافرها في سلوك الإنسان العادي، كما أن القانون قد رتَّب مسؤولية المهندس المعماري عن الضرر الناجم عن عمله ولو لم يصدر عنه أي خطأ، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة /617/ من القانون المدني على أنّه: ((يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيَّدوه من مبانٍ أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى...))، أي أن القانون اعتبر المهندس المعماري مسؤولا عن الأضرار التي ستنجم عن تهدُّم أيِّ بناءٍ أو جسرٍ أو سدٍّ كان مسؤولاً عن عملية الإشراف على بنائه، ولو لم يثبت صدور أي خطأ من جانبه، بل ولو كان الخطأ ناجماً عن عمل المقاول الذي يقوم بأعمال التنفيذ، إذ أن القانون جعل المهندس متضامناً مع المقاول في دفع كافة قيمة المبالغ الجابرة للضرر الناجم عن تهدُّم البناء كلياً أو جزئياً، وكأنَّ القانون بهذا البند قد جعل لكلِّ من المهندس والمقاول دافعاً للرقابة على عمل الآخر، بحيث يسعى كلٌ واحدٍ منهما لاكتشاف أيِّ أخطاء قد يقع بها الآخر لينبهه إليها ويساعده على إصلاحها.
ويعني هذا التضامن أن مالك البناء أو أيَّ شخصٍ آخر تضرر من تهدُّمه مخيَّراً في إقامة الدعوى ضد المهندس المعماري أو المقاول أو في مواجهتهما معاً، دون أن يستطيع أيٌّ منهما بأن يدفع بأنه غير مسؤول عن الضرر، لكون الآخر مسؤولاً عنه، ويلتزم بناءً عليه المهندس بدفع كامل مبلغ التعويض المترتب لإصلاح لمتضرر، غير أنه يستطيع المهندس المعماري أن يعود على المقاول بكامل المبالغ التي دفعها إذا استطاع إثبات أنه ليس متسبباً بالضرر، الذي يعود كاملاً لخطأ المقاول، وأنَّ سلوك المهندس وعمله كان متطابقاً مع سلوك أيِّ مهندسٍ حريصٍ معتاد.
ولكن قد يكون تهدم البناء ناجماً عن وجود عيبٍ في الأرض، أو أن يكون المهندس قد أطلع مالك البناء مسبقاً على احتمال تعرُّض البناء إلى مخاطر معينة، وقبِل هذا الأخير إقامته على الرغم من ذلك، فهل تعفي هذه الوقائع المهندس المعماري من المسؤولية؟ في الواقع أجاب القانون على ذلك بالنفي، فقد تابعت الفقرة الأولى من المادة /617/ المذكورة أعلاه قائلةً: ((... وذلك ولو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها، أو كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة)).
أما عن الفترة الزمنية التي تستمر خلالها هذه المسؤولية قائمةً، فقد حددها القانون بفترة عشر سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ قيام المهندس والمقاول بتسليم البناء جاهزاً إلى صاحبه، وذلك ما لم يتفق المهندس مع مالك البناء على أن يكون المهندس مسؤولاً عن الضرر الناجم عن التخريب لمدة زمنية أطول من تلك التي نصَّ عليها القانون. غير أنه إذا كانت رغبة أطراف العقد قد اتجهت إلى أن البناء مصمَّم ومجهز ليبقى فترة أقل من عشر سنوات، فإن مدة ضمان المهندس حينها تكون فقط لكامل المدة التي تمَّ الاتفاق على أن يبقى البناء خلالها قائماً، فإذا لم يقم مالك البناء بهدمه بعد انقضاء هذه المدة المتفق عليها، فإن مسؤولية المهندس حينها تنقضي على الرغم من استمرار البناء قائماً. وأما إذا وقع المحذور، وتهدّم البناء، فقد أوجب القانون حينها على المتضررين أن يقيموا الدعوى ضد المهندس المعماري خلال ثلاث سنوات من تاريخ الحادث، تحت طائلة سقوط حقِّهم في التعويض.
ولكن هل يشمل هذا الضمان جميع العيوب التي قد تظهر في البناء، ومهما كانت جسيمةً أو طفيفة؟ إن القانون كان واضحاً وصريحاً في تحديد ذلك، فقد جعل المهندس المعماري ضامناً للضرر الناجم عن التهدم الكلي أو الجزئي للبناء، وعن العيوب التي قد توجد في المباني والمنشآت والتي يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته، أي أن الضمان لا يشمل فقط التهدُّم، وإنما يشمل أيضاً العيوب الجسيمة التي تهدد استقرار البناء، والتي يترتب عليها تهديد متانته أو سلامته. فإذا ما وقع خلافٌ حول عيب من العيوب التي ظهرت في البناء، والذي ادعى المالك على أنه يهدد متانة البناء وسلامته، فإن الأمر يعود للقضاء حينها ليقرر طبيعة العيب وما يمكن أن يترتب عنه من ضرر أو تهديد للبناء، ويستطيع القضاء أن يستعين في سبيل ذلك بخبراء من المهندسين، الذين يحددون جسامة العيب وأهميته وأثره على البناء. أما بالنسبة للعيوب الصغيرة وغير الجسيمة، فإن مدة ضمان المهندس المعماري لها يتم الاتفاق عليها عادةً فيما بين المهندس ومالك البناء، أو مع المقاول فيما إذا كان هذا الأخير هو الذي اتفق مع المهندس على القيام بعملية وضع التصاميم أو الإشراف على عملية التنفيذ.
إن المادة المذكورة أعلاه قد افترضت بشكلٍ أكيد أن المهندس المعماري سيكون مشرفاً على عملية تنفيذ التصاميم والمخططات والرسومات التي قام بوضعها، حيث سيكون بإمكانه حينها الرقابة على أعمال البناء وما يقوم به المقاول والعمال. أما إذا كان دور المعماري مقتصراً على وضع التصميم فقط، دون أن يكون مكلفاً بالرقابة على التنفيذ، فإنه لن يكون مسؤولاً حينها إلا عن العيوب التي أتت من عملية التصميم، والناجمة عن خطأ في التصميم أو نقصٍ فيه، ولا يترتب عليه أي مسؤولية عن إساءة تنفيذ تصاميمه ومخططاته أو عدم فهمها، فإذا كان التهدم الذي أصاب البناء أو العيب الذي هدد سلامته ناجماً عن عيب في التصميم فالمهندس المعماري مسؤول عن التعويض، وأما إذا كان سبب ذلك عائداً لأخطاء في عملية التنفيذ فالمهندس المعماري في منأى عن المسؤولية، التي سيتحملها المقاول لوحده أو بالتضامن مع المهندس الآخر الذي قام بعملية التنفيذ والإشراف في حال وجوده، ويحدد القضاء مستعيناً بالخبرة أيضاً سبب التهدم أو العيب في حال حدوث الخلاف.
ولتجنب المسؤولية التي يلقيها القانون على عاتق المهندس المعماري، نجد أن العديد من المهندسين يُضمِّنون العقود التي يبرمونها مع أصحاب الأبنية التي يقومون بأعمالٍ لحسابهم، بنوداً تعفيهم من المسؤولية التي قد تترتب عن الأضرار الناجمة عن إهمالهم أو خطئهم، أو على الأقل تضيِّق من نطاق هذه المسؤولية وتحدُّها بعددٍ محدودٍ من السنين، فهل هذه البنود ملزمة قانوناً، وهل تعتبر ملجأً يستطيع المهندسون المعماريون أن يحتموا خلفه، أملاً في تجنب تحمُّل المسؤولية التي ستنجم عن الخطأ الذي قد يقع فيه أيُّ واحدٍ منهم، في غمرة الحياة اليومية وهمومها ومشاغلها؟ في الحقيقة إن المشرع قد تنبَّه لمثل هذه البنود، وعرف أنه قد يكون بإمكان المهندس المعماري أن يملي رغبته في تضمين مثل هذه الشروط على المتعاقدين معه، فقام بتنظيمها قانوناً ونص في المادة /619/ من القانون المدني على أنه: (( يكون باطلاً كل شرط يقصد به إعفاء المهندسين المعمارين والمقاول من الضمان، أو الحد منه))، أي أن القانون جعل مثل هذا الشرط باطلاً، لا قيمة قانونية له، والمهندس المعماري مسؤولٌ مسؤوليةً كاملة عن الأضرار الناجمة عن تهدُّم البناء أو العيوب التي تهدد متانته وسلامته، ومدة ضمانه مستمرة لمدة عشر سنوات، ولو كان قد نصَّ في العقد على ضمانه للبناء مدةً أقل. غير أنه إذا كان بند الإعفاء من المسؤولية أو الحد منها باطلاً بالنسبة للعيوب الجسيمة التي قد تؤدي لتهدم البناء، فإن مثل هذا الشرط صحيح ونافذ قانوناً بالنسبة للعيوب الأخرى التي لا يترتب عليها تهديد البناء وسلامته ومتانته واستقراره، ويستطيع المهندسون إدراجها في العقود التي يبرمونها.
هل بقي أمام المهندس المعماري أيَّ ملجئً أو دفعٍ يستطيع الاعتماد عليه للنجاة من المسؤولية التي قد تترتب عليه في حال تهدم البناء أو إصابته بعيبٍ جسيم؟ نعم يوجد بكل تأكيد، فقد سمح القانون للمهندس بالتنصُّل من المسؤولية، واعتبره غير ملزمٍ بتعويض الضرر، إذا استطاع إثبات أن الضرر الذي أصاب البناء من تهدُّمٍ أو عيبٍ جسيم قد نشأ عن واحد من الأسباب التالية:
- سبب أجنبي لا يد للمهندس المعماري فيه، كحادثٍ مفاجئ أو قوةٍ قاهرة، كما لو وقع زلزالٌ مثلاً أو أعمال حربية أو طقس سيء وأحوال جوية غير اعتيادية من أعاصير وعواصف أثَّرت في البناء فسببت تهدمه جزئياً أو كلياً أو أصابته بعيب جسيم.
- خطأ من المضرور، كما لو كان صاحب البناء أو أحد المقاولين والعمال الذي قد تعاقد معهم بعد أن استلم البناء من المهندس قد ارتكب خطأً كبيراً أثناء قيامه بعمليات ترميم أو تجميل البناء مثلاً.
- خطأ من الغير، كما لو وقعت أعمال تفجير ارهابية أو أخطاء صدرت من شاغلي البناء أثَّرت في سلامته.
ويعود عبء اثبات وجود واحدٍ من الظروف أو العوامل السابقة على المهندس المعماري بكلِّ تأكيد، فالقانون يفترض مسؤوليته عن الضرر الذي أصاب البناء، ويترتب عليه هو أن يقيم الدليل والحجَّة على أن تهدُّم البناء عائدٌ لأسبابٍ لا يد له فيها، ولم يكن بإمكانه توقعها ولم تدخل في حسبانه. غير أنه إذا اتفق مالك البناء مع المهندس المعماري على اعتبار هذا الأخير مسؤولاً حتى في حال كان تهدُّم البناء أو تعيُّبه عائداً لسبب أجنبيٍ مفاجئ، قوةٍ قاهرة، خطأ من المضرور أو خطأ الغير، فإن هذا الاتفاق يعتبر حينها صحيحاً، ولا يعود بإمكان المهندس المعماري أن يدفع بكون الضرر ناجماً عن واحدٍ من هذه الأسباب.
إن موضوع مسؤولية المهندس المعماري قد يبدو للوهلة الأولى قانونياً بحتاً، غير أنه معرفته والإحاطة به ضرورة عملية لا بد لكل مهندسٍ معماري من التسلح بها، وذلك لكي يستطيع أن يضع في حسبانه المخاطر والمسؤوليات المالية التي قد يتعرض لها وتترتب عليه، فيكون في وضع أسلم في حال مواجهته لأيِّ حادثٍ من الحوادث، كما أن معرفة القانون وما ينص عليه من أحكام يعتبر بعضها إلزامياً لا يجوز الاتفاق على خلافه، في حين يترك الآخر لاتفاق المتعاقدين، يساعد المهندسين ومالكي الأبنية على معرفة الشروط التي يستطيعون تضمينها في العقود المبرمة فيما بينهم، فقد يضع المهندس شرطاً يعفيه من المسؤولية كاملةً في العقد، ويظنُّ أن هذا الشرط صحيح، فلا يأخذ بعين الاعتبار الحيطة والحذر اللازمين من مراقبةٍ للعمال ولأعمال المقاول، ليفاجئ حين وقوع الحادث، وظهور النزاع بكونه مسؤولاً مسؤولية كاملةً عن التعويض الجابر للضرر كله، وهذا يذكرنا بالقاعدة التي يحفظها الكثير من الناس، (لا جهل بالقانون).
ويعني هذا التضامن أن مالك البناء أو أيَّ شخصٍ آخر تضرر من تهدُّمه مخيَّراً في إقامة الدعوى ضد المهندس المعماري أو المقاول أو في مواجهتهما معاً، دون أن يستطيع أيٌّ منهما بأن يدفع بأنه غير مسؤول عن الضرر، لكون الآخر مسؤولاً عنه، ويلتزم بناءً عليه المهندس بدفع كامل مبلغ التعويض المترتب لإصلاح لمتضرر، غير أنه يستطيع المهندس المعماري أن يعود على المقاول بكامل المبالغ التي دفعها إذا استطاع إثبات أنه ليس متسبباً بالضرر، الذي يعود كاملاً لخطأ المقاول، وأنَّ سلوك المهندس وعمله كان متطابقاً مع سلوك أيِّ مهندسٍ حريصٍ معتاد.
ولكن قد يكون تهدم البناء ناجماً عن وجود عيبٍ في الأرض، أو أن يكون المهندس قد أطلع مالك البناء مسبقاً على احتمال تعرُّض البناء إلى مخاطر معينة، وقبِل هذا الأخير إقامته على الرغم من ذلك، فهل تعفي هذه الوقائع المهندس المعماري من المسؤولية؟ في الواقع أجاب القانون على ذلك بالنفي، فقد تابعت الفقرة الأولى من المادة /617/ المذكورة أعلاه قائلةً: ((... وذلك ولو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها، أو كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة)).
أما عن الفترة الزمنية التي تستمر خلالها هذه المسؤولية قائمةً، فقد حددها القانون بفترة عشر سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ قيام المهندس والمقاول بتسليم البناء جاهزاً إلى صاحبه، وذلك ما لم يتفق المهندس مع مالك البناء على أن يكون المهندس مسؤولاً عن الضرر الناجم عن التخريب لمدة زمنية أطول من تلك التي نصَّ عليها القانون. غير أنه إذا كانت رغبة أطراف العقد قد اتجهت إلى أن البناء مصمَّم ومجهز ليبقى فترة أقل من عشر سنوات، فإن مدة ضمان المهندس حينها تكون فقط لكامل المدة التي تمَّ الاتفاق على أن يبقى البناء خلالها قائماً، فإذا لم يقم مالك البناء بهدمه بعد انقضاء هذه المدة المتفق عليها، فإن مسؤولية المهندس حينها تنقضي على الرغم من استمرار البناء قائماً. وأما إذا وقع المحذور، وتهدّم البناء، فقد أوجب القانون حينها على المتضررين أن يقيموا الدعوى ضد المهندس المعماري خلال ثلاث سنوات من تاريخ الحادث، تحت طائلة سقوط حقِّهم في التعويض.
ولكن هل يشمل هذا الضمان جميع العيوب التي قد تظهر في البناء، ومهما كانت جسيمةً أو طفيفة؟ إن القانون كان واضحاً وصريحاً في تحديد ذلك، فقد جعل المهندس المعماري ضامناً للضرر الناجم عن التهدم الكلي أو الجزئي للبناء، وعن العيوب التي قد توجد في المباني والمنشآت والتي يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته، أي أن الضمان لا يشمل فقط التهدُّم، وإنما يشمل أيضاً العيوب الجسيمة التي تهدد استقرار البناء، والتي يترتب عليها تهديد متانته أو سلامته. فإذا ما وقع خلافٌ حول عيب من العيوب التي ظهرت في البناء، والذي ادعى المالك على أنه يهدد متانة البناء وسلامته، فإن الأمر يعود للقضاء حينها ليقرر طبيعة العيب وما يمكن أن يترتب عنه من ضرر أو تهديد للبناء، ويستطيع القضاء أن يستعين في سبيل ذلك بخبراء من المهندسين، الذين يحددون جسامة العيب وأهميته وأثره على البناء. أما بالنسبة للعيوب الصغيرة وغير الجسيمة، فإن مدة ضمان المهندس المعماري لها يتم الاتفاق عليها عادةً فيما بين المهندس ومالك البناء، أو مع المقاول فيما إذا كان هذا الأخير هو الذي اتفق مع المهندس على القيام بعملية وضع التصاميم أو الإشراف على عملية التنفيذ.
إن المادة المذكورة أعلاه قد افترضت بشكلٍ أكيد أن المهندس المعماري سيكون مشرفاً على عملية تنفيذ التصاميم والمخططات والرسومات التي قام بوضعها، حيث سيكون بإمكانه حينها الرقابة على أعمال البناء وما يقوم به المقاول والعمال. أما إذا كان دور المعماري مقتصراً على وضع التصميم فقط، دون أن يكون مكلفاً بالرقابة على التنفيذ، فإنه لن يكون مسؤولاً حينها إلا عن العيوب التي أتت من عملية التصميم، والناجمة عن خطأ في التصميم أو نقصٍ فيه، ولا يترتب عليه أي مسؤولية عن إساءة تنفيذ تصاميمه ومخططاته أو عدم فهمها، فإذا كان التهدم الذي أصاب البناء أو العيب الذي هدد سلامته ناجماً عن عيب في التصميم فالمهندس المعماري مسؤول عن التعويض، وأما إذا كان سبب ذلك عائداً لأخطاء في عملية التنفيذ فالمهندس المعماري في منأى عن المسؤولية، التي سيتحملها المقاول لوحده أو بالتضامن مع المهندس الآخر الذي قام بعملية التنفيذ والإشراف في حال وجوده، ويحدد القضاء مستعيناً بالخبرة أيضاً سبب التهدم أو العيب في حال حدوث الخلاف.
ولتجنب المسؤولية التي يلقيها القانون على عاتق المهندس المعماري، نجد أن العديد من المهندسين يُضمِّنون العقود التي يبرمونها مع أصحاب الأبنية التي يقومون بأعمالٍ لحسابهم، بنوداً تعفيهم من المسؤولية التي قد تترتب عن الأضرار الناجمة عن إهمالهم أو خطئهم، أو على الأقل تضيِّق من نطاق هذه المسؤولية وتحدُّها بعددٍ محدودٍ من السنين، فهل هذه البنود ملزمة قانوناً، وهل تعتبر ملجأً يستطيع المهندسون المعماريون أن يحتموا خلفه، أملاً في تجنب تحمُّل المسؤولية التي ستنجم عن الخطأ الذي قد يقع فيه أيُّ واحدٍ منهم، في غمرة الحياة اليومية وهمومها ومشاغلها؟ في الحقيقة إن المشرع قد تنبَّه لمثل هذه البنود، وعرف أنه قد يكون بإمكان المهندس المعماري أن يملي رغبته في تضمين مثل هذه الشروط على المتعاقدين معه، فقام بتنظيمها قانوناً ونص في المادة /619/ من القانون المدني على أنه: (( يكون باطلاً كل شرط يقصد به إعفاء المهندسين المعمارين والمقاول من الضمان، أو الحد منه))، أي أن القانون جعل مثل هذا الشرط باطلاً، لا قيمة قانونية له، والمهندس المعماري مسؤولٌ مسؤوليةً كاملة عن الأضرار الناجمة عن تهدُّم البناء أو العيوب التي تهدد متانته وسلامته، ومدة ضمانه مستمرة لمدة عشر سنوات، ولو كان قد نصَّ في العقد على ضمانه للبناء مدةً أقل. غير أنه إذا كان بند الإعفاء من المسؤولية أو الحد منها باطلاً بالنسبة للعيوب الجسيمة التي قد تؤدي لتهدم البناء، فإن مثل هذا الشرط صحيح ونافذ قانوناً بالنسبة للعيوب الأخرى التي لا يترتب عليها تهديد البناء وسلامته ومتانته واستقراره، ويستطيع المهندسون إدراجها في العقود التي يبرمونها.
هل بقي أمام المهندس المعماري أيَّ ملجئً أو دفعٍ يستطيع الاعتماد عليه للنجاة من المسؤولية التي قد تترتب عليه في حال تهدم البناء أو إصابته بعيبٍ جسيم؟ نعم يوجد بكل تأكيد، فقد سمح القانون للمهندس بالتنصُّل من المسؤولية، واعتبره غير ملزمٍ بتعويض الضرر، إذا استطاع إثبات أن الضرر الذي أصاب البناء من تهدُّمٍ أو عيبٍ جسيم قد نشأ عن واحد من الأسباب التالية:
- سبب أجنبي لا يد للمهندس المعماري فيه، كحادثٍ مفاجئ أو قوةٍ قاهرة، كما لو وقع زلزالٌ مثلاً أو أعمال حربية أو طقس سيء وأحوال جوية غير اعتيادية من أعاصير وعواصف أثَّرت في البناء فسببت تهدمه جزئياً أو كلياً أو أصابته بعيب جسيم.
- خطأ من المضرور، كما لو كان صاحب البناء أو أحد المقاولين والعمال الذي قد تعاقد معهم بعد أن استلم البناء من المهندس قد ارتكب خطأً كبيراً أثناء قيامه بعمليات ترميم أو تجميل البناء مثلاً.
- خطأ من الغير، كما لو وقعت أعمال تفجير ارهابية أو أخطاء صدرت من شاغلي البناء أثَّرت في سلامته.
ويعود عبء اثبات وجود واحدٍ من الظروف أو العوامل السابقة على المهندس المعماري بكلِّ تأكيد، فالقانون يفترض مسؤوليته عن الضرر الذي أصاب البناء، ويترتب عليه هو أن يقيم الدليل والحجَّة على أن تهدُّم البناء عائدٌ لأسبابٍ لا يد له فيها، ولم يكن بإمكانه توقعها ولم تدخل في حسبانه. غير أنه إذا اتفق مالك البناء مع المهندس المعماري على اعتبار هذا الأخير مسؤولاً حتى في حال كان تهدُّم البناء أو تعيُّبه عائداً لسبب أجنبيٍ مفاجئ، قوةٍ قاهرة، خطأ من المضرور أو خطأ الغير، فإن هذا الاتفاق يعتبر حينها صحيحاً، ولا يعود بإمكان المهندس المعماري أن يدفع بكون الضرر ناجماً عن واحدٍ من هذه الأسباب.
إن موضوع مسؤولية المهندس المعماري قد يبدو للوهلة الأولى قانونياً بحتاً، غير أنه معرفته والإحاطة به ضرورة عملية لا بد لكل مهندسٍ معماري من التسلح بها، وذلك لكي يستطيع أن يضع في حسبانه المخاطر والمسؤوليات المالية التي قد يتعرض لها وتترتب عليه، فيكون في وضع أسلم في حال مواجهته لأيِّ حادثٍ من الحوادث، كما أن معرفة القانون وما ينص عليه من أحكام يعتبر بعضها إلزامياً لا يجوز الاتفاق على خلافه، في حين يترك الآخر لاتفاق المتعاقدين، يساعد المهندسين ومالكي الأبنية على معرفة الشروط التي يستطيعون تضمينها في العقود المبرمة فيما بينهم، فقد يضع المهندس شرطاً يعفيه من المسؤولية كاملةً في العقد، ويظنُّ أن هذا الشرط صحيح، فلا يأخذ بعين الاعتبار الحيطة والحذر اللازمين من مراقبةٍ للعمال ولأعمال المقاول، ليفاجئ حين وقوع الحادث، وظهور النزاع بكونه مسؤولاً مسؤولية كاملةً عن التعويض الجابر للضرر كله، وهذا يذكرنا بالقاعدة التي يحفظها الكثير من الناس، (لا جهل بالقانون).
المحامية علياء النجار- عدد المساهمات : 58
تاريخ التسجيل : 30/12/2009
رد: شيء عن مسؤولية المهندس
لا شكر ... بل انه اقل حدود الواجب
المحامية علياء النجار- عدد المساهمات : 58
تاريخ التسجيل : 30/12/2009
رد: شيء عن مسؤولية المهندس
مشكورة استاذة و لكن ان سمحت موافاتي بالمراجع عندي مذكرة تخرج في تفس الموضوع
ch-imene- عدد المساهمات : 1
تاريخ التسجيل : 11/07/2012
مواضيع مماثلة
» مسؤولية المحامي_مذكرة من قالمة
» مسؤولية الرؤساء أوالقاده امام المحكمة الدولية الجنائية
» الضرر القابل للتعويض في مسؤولية الادارة على اساس الخطأ في مجال العمران_ ا.عزري الزين
» تلقيح بالمستشفى – مصل غير سليم – خطأ مرفقي – تعفن ناتج – علاقة سببية ثابتة – مسؤولية المستشفى قائمة.
» مسؤولية الرؤساء أوالقاده امام المحكمة الدولية الجنائية
» الضرر القابل للتعويض في مسؤولية الادارة على اساس الخطأ في مجال العمران_ ا.عزري الزين
» تلقيح بالمستشفى – مصل غير سليم – خطأ مرفقي – تعفن ناتج – علاقة سببية ثابتة – مسؤولية المستشفى قائمة.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى